الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقال الأخفش: والإضافة أحسن في كلام العرب؛ نحو قولهم: ثوبُ خَزٍّ.والخمط: اللبن الحامض.وذكر أبو عبيد أن اللبن إذا ذهب عنه حلاوة الحلَب ولم يتغيّر طعمه فهو سامط، وإن أخذ شيئًا من الريح فهو خامط وخميط، فإن أخذ شيئًا من طعمٍ فهو مُمَحَّل، فإذا كان فيه طعم الحلاوة فهو فُوَّهة.وتخمَّط الفحل: هَدَر.وتخمّط فلان أي غضب وتكبّر.وتخمّط البحر أي التطم.وخَمَطت الشاة أخمِطها خَمْطًا: إذا نزعت جلدها وشويتها فهي خميط، فإن نزعت شعرها وشويتها فهي سميط.والخَمْطة: الخمر التي قد أخذت رِيح الإدراك كرِيح التّفاح ولم تُدْرِك بعدُ.ويقال هي الحامضة؛ قاله الجوهريّ.وقال القُتَبِيّ في أدب الكاتب.يقال للحامضة خمطة، ويقال: الخمطة التي قد أخذت شيئًا من الريح؛ وأنشد:
{وَأَثْلٍ} قال الفرّاء: هو شبيه بالطرفاء إلا أنه أعظم منه طولًا؛ ومنه اتخذ مِنبَرُ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وللأثل أصول غليظة يتخذ منه الأبواب، وورقه كورق الطرفاء، الواحدة أثلة والجمع أثَلاث.وقال الحسن: الأثل الخشب.قتادة: هو ضرب من الخشب يشبه الطرفاء رأيته بفَيْد.وقيل هو السَّمُر.وقال أبو عبيدة: هو شجر النُّضار.النضار: الذهب.والنضار: خشب يعمل منه قصاع، ومنه: قدح نضار. {وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ} قال الفَرّاء: هو السَّمُر؛ ذكره النحاس.وقال الأزهري: السِّدر من الشجر سِدران: بريّ لا يُنتفع به ولا يصلح ورقه للغَسُول وله ثمر عَفِص لا يؤكل، وهو الذي يسمى الضّال.والثاني: سِدْر ينبت على الماء وثمره النَّبق وورقه غسَول يشبه شجر العُنّاب.قال قتادة: بينما شجر القوم من خير شجر إذ صيّره الله تعالى من شرّ الشجر بأعمالهم، فأهلك أشجارهم المثمرة وأنبت بدلها الأراك والطَّرفاء والسِّدْر.القُشَيْريّ: وأشجار البوادي لا تسمى جنة وبستانًا ولكن لما وقعت الثانية في مقابلة الأولى أطلق لفظ الجنة، وهو كقوله تعالى: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [الشورى: 40].ويحتمل أن يرجع قوله {قَلِيلٍ} إلى جملة ما ذُكر من الخَمْط والأَثْل والسِّدر.قوله تعالى: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ} أي هذا التبديل جزاء كفرهم.وموضع {ذلك} نصب؛ أي جزيناهم ذلك بكفرهم. {وَهَلْ يُجَازَى إِلاَّ الْكفُورُ} قراءة العامة {يُجَازَى} بياء مضمومة وزاي مفتوحة، {الكَفورُ} رفعًا على ما لم يُسمّ فاعله.وقرأ يعقوب وحفص وحمزة والكسائيّ: {نُجازِي} بالنون وكسر الزاي، {الكفورَ} بالنصب، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، قالا: لأن قبله {جَزَيْنَاهُمْ} ولم يقل جُوزُوا.النحاس: والأمر في هذا واسع، والمعنى فيه بيّن، ولو قال قائل: خلق الله تعالى آدم صلى الله عليه وسلم من طين، وقال آخر: خُلق آدم من طين، لكان المعنى واحدًا.مسألة:في هذه الآية سؤال ليس في هذه السورة أشدّ منه، وهو أن يقال: لم خصّ الله تعالى المجازاة بالكفور ولم يذكر أصحاب المعاصي؟ فتكلم العلماء في هذا؛ فقال قوم: ليس يُجازَى بهذا الجزاء الذي هو الاصطلام والإهلاك إلا من كفر.وقال مجاهد: يجازي بمعنى يعاقب؛ وذلك أن المؤمن يكفِّر الله تعالى عنه سيئاته، والكافر يجازَى بكل سوءٍ عمِله؛ فالمؤمن يُجْزَى ولا يُجَازَى لأنه يثاب.وقال طاوس: هو المناقشة في الحساب، وأما المؤمن فلا يناقش الحساب.وقال قُطْرُب خلاف هذا، فجعلها في أهل المعاصي غير الكفار، وقال: المعنى على من كفر بالنعم وعمل بالكبائر.النحاس: وأولى ما قيل في هذه الآية وأجلّ ما روي فيها: أن الحسن قال مِثْلًا بمثل.وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حوسب هلك» فقلت: يا نبيّ الله، فأين قوله جلّ وعزّ: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8]؟ قال: «إنما ذلك العرض ومن نوقش الحساب هلك» وهذا إسناد صحيح، وشرحه: أن الكافر يكافأ على أعماله ويحاسب عليها ويحبط ما عمِل من خير؛ ويبيّن هذا قوله تعالى في الأوّل: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ} وفي الثاني: {وَهَلْ يُجَازَى إِلاَّ الْكَفُورُ} ومعنى {يُجَازَى} يكافأ بكل عَمَل عَمِله، ومعنى {جزيناهم}.وفَّيناهم؛ فهذا حقيقة اللغة، وإن كان جازى يقع بمعنى جزى مجازًا. اهـ. .قال أبو السعود: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ}.بيان لإخبار بعض الكافرين بنعم الله تعالى إثرَ بيانِ أحوال الشَّاكرينَ لها أي لأولاد سبأِ بن يشجبَ بنِ يعربَ بنِ قحطان وقُرىء بمنع الصَّرفِ على أنه اسمُ القبيلةِ. وقُرىء بقلب الهمزةِ ألفًا ولعله إخراجٌ لها بينَ بينَ {فِى مَسْكَنِهِمْ} وقُرىء بكسرِ الكافِ كالمسجِدِ، وقُرىء بلفظ الجمعِ أي مواضع سُكناهم وهي باليمنِ يقال لها مَأْرِبُ بينها وبين صنعاء مسيرةُ ثلاثِ ليالٍ {ءايَةً} دالَّة بملاحظه أحوالِها السَّابقةِ واللاَّحقةِ على وجود الصَّانعِ المُختار القادر على كلِّ ما يشاء من الأمور البديعة المُجازي للمحسنِ والمسيءِ معاضدةً للبرهان السَّابقِ كما في قصتي داودَ وسليمانَ عليهما السَّلامُ. {جَنَّتَانِ} بدل من آيةً أو خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ أي هي جنتان وفيه معنى المدح ويُؤيِّدُه قراءةُ النَّصبِ على المدح والمرادُ بهما جماعتانِ من البساتين. {عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ} جماعةٌ عن يمينِ بلدِهم وجماعةٌ عن شمالِه كلُّ واحدةٍ من تَيْنكَ الجماعتينِ في تقاربِهما وتضامِّهما كأنَّهما جنَّةٌ واحدةٌ أو بستانًا كلُّ رجلٍ منهم عن يمين مسكنِه وعن شمالِه {كُلُواْ مِن رّزْقِ رَبّكُمْ واشكروا لَهُ} حكاية لما قيل لهم على لسان نبيِّهم تكميلًا للنِّعمةِ وتذكيرًا لحقوقِها أو لما نطق به لسانُ الحالِ أو بيان لكونهم أحقَّاء بأنْ يقالَ لهم ذلك {بَلْدَةٌ طَيّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} استئنافٌ مبيِّن لما يوجب الشُّكرَ المأمور به أي بلدتُكم بلدةٌ طيبةٌ وربُّكم الذي زرقكم ما فيها من الطَّيباتِ وطلب منكم الشُّكرَ ربٌّ غفورٌ لفرطات مَن يشكره. وقُرىء الكلُّ بالنَّصبِ على المدح قيل: كان أطيبَ البلاد هواء وأخصبها وكانتِ المرأةُ تخرج وعلى رأسها المِكْتلُ فتعمل بيديها وتسير فيما بين الأشجار فيمتلىءُ المِكْتَلُ مما يتساقطُ فيه من الثِّمارِ ولم يكن فيه من مؤذياتِ الهُوامِّ شيء {فَأَعْرِضُواْ} عن الشُّكر بعد إبانة الآيات الدَّاعيةِ لهم إليه قيل: أرسل الله إليهم ثلاثةَ عشرَ نبَّيًا فدَعوهم إلى الله تعالى وذكَّروهم بنعمه وأنذروهم عقابه فكذَّبوهم. {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العرم} أي سيلَ الأمر العرم أي الصَّعبِ من عَرِمَ الرَّجلُ فهو عارمٌ وعَرِمٌ إذا شرس خلقُه وصعب أو المطر الشَّديدُ وقيل: العرم جمعُ عُرمةٍ وهي الحجارة المركومة وقيل: هو السكر الذي يحبس الماء وقيل: هو اسمٌ للبناء يُجعلُ سدًَّا وقيل هو البناء الرَّصينُ الذي بنته الملكةُ بلقيسُ بين الجبلينِ بالصَّخرِ والقارِ وحقنت به ماء العُيون والأمطاء وتركت فيه خُرُوقًا على ما يحتاجون إليه في سقيهم. وقيل العرمُ الجُرَذُ الذي نَقَبَ عليهم ذلك السدَّ وهو الفأرُ الأعمى الذي يقال له الخُلْدُ سلَّطه الله تعالى على سدِّهم فنقَبه فغرَّق بلادَهم، وقيل: العَرِمُ اسم الوادي. وقُرىء العَرْم بسكون الرَّاء قالوا كان ذلك في الفترة التي كانت بين عيسى والنَّبيِّ عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ {وبدلناهم بجناتهم} أي أذهبنا جنَّتيهم وآتيناهم بدلهما {جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَىْ أُكُلٍ خَمْطٍ} أي ثمرٍ بشعٍ فإنَّ الخَمْطَ كل نبت أخذ طعمًا من مرارة حتَّى لا يمكن أكلُه وقيل: هو الحامضُ والمرُّ من كلِّ شيء.وقيل: هو ثمرةُ شجرةٍ يقال لها فَسْوةُ الضبع على صورة الخَشْخَاشِ لا يُنتفع بها. وقيل هو الأَرَاكُ أو كلُّ شجرٍ ذي شوكٍ. والتَّقديرُ أُكُلٍ أُكُلِ خمطٍ فخُذف المضافُ وأقيم المضافُ إليه مقامَه. وقُرىء أُكْلِ خمطٍ بالإضافة بتخفيفِ أكل. {وَأَثْلٍ وَشَىْء مّن سِدْرٍ قَلِيلٍ} معطوفان على أُكلٍ لا على خَمْطٍ فإن الأَثْلَ هو الطَّرفاء وقيل شجرٌ يُشبهه أعظم منه لا ثمرَ له وقُرىء وأَثْلًا وشيئًا عطفًا على جنَّتين. قيل: وصف السِّدْرُ بالقلَّةِ لما أنَّ جناهُ وهو النَّبقُ مَّما يطيبُ أكلُه ولذلك يغرس في البساتينِ والصَّحيح أنَّ السِّدْرِ صنفانِ صنفٌ يُؤكلُ من ثمره ويُنتفع بورقه لغسلِ اليد وصنف له ثمرة عَفْصةٌ لا تُؤكل أصلًا ولا يُنتفع بورقهِ وهو الضَّالُ والمرادُ هاهنا هو الثَّاني حتمًا. وقال قَتادةُ: كان شجرُهم خيرَ الشَّجرِ فصيَّرُه الله تعالى من شرِّ الشَّجرِ بأعمالِهم. وتسميةُ البدلِ جنَّتين للمشاكلةِ والتَّهكُّمِ. {ذلك} إشارة إلى مصدر قوله تعالى: {جزيناهم} أو إلى ما ذُكر من التَّبديلِ. وما فيه من معنى البُعد للإيذانِ ببُعد رُتبتهِ في الفظاعة. ومحلُّه على الأوَّلِ النَّصبُ على أنَّه مصدرٌ مؤكدِّ للفعل المذكور وعلى الثَّاني النَّصبُ على أنَّه مفعولٌ ثانٍ له أي ذلك الجزاء الفظيعَ جزيناهم لا جزاء آخرَ أو ذلك التَّبديلَ جزيناهم لا غيرَه {بِمَا كَفَرُواْ} بسبب كفرانهم النِّعمة حيثُ نزعناها منهم ووضعنا مكانها ضدَّها أو بسبب كفرهم بالرُّسلِ {وَهَلْ نُجَازِى إِلاَّ الكفور} أي وما نُجازي هذا الجزاء إلا المُبالغَ في الكُفرانِ أو الكفر. وقُرىء يُجازِي على البناء للفاعل وهو الله عزَّ وجلَّ. وهل يُجازَى على البناء للمفعول ورفعِ الكفورَ، وهل يُجزى على البناء للمفعولِ أيضًا. وهذا بيانُ ما أُوتوا من النَّعم الحاضرة في مساكنهم وما فعَلُوا بها من الكُفرانِ وما فُعلَ بهم من الجزاء. اهـ..قال الألوسي: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ}.لم ذكر عز وجل حال الشاكرين لنعمه المنيبين إليه تعالى ذكر حال الكافرين بالنعمة المعرضين عنه جل شأنه موعظة لقريش وتحذيرًا لمن كفر بالنعم وأعرض عن المنعم، وسبأ في الأصل اسم رجل وهو سبا بن يشجب بالشين المعجمة والجيم كينصر بن يعرب بن قحطان، وفي بعض الأخبار عن قروة بن مسيك قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أخبرني عن سبا أرجل هو أم امرأة؟ فقال: هو رجل من العرب ولد عشرة تيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة فأما الذين تيامنوا فالأزد.وكندة ومذحج والأشعريون وأنمار ومنهم بجيلة وأما الذين تشاءموا فعاملة وغسان ولخم وجذام، وفي شرح قصيدة عبد المجيد بن عبدون لعبد الملك بن عبد الله بن بدرون الحضرمي البستي أن سبا بن يشجب أول ملوك اليمن في قول واسمه عبد شمس وإنما سمي سبا لأنه أول من سبى السبي من ولد قحطان وكان ملكه أربعمائة وأربعًا وثمانين سنة ثم سمي به الحي، ومنع الصرف عنه ابن كثير وأبو عمرو وباعتبار جعله اسمًا للقبيلة ففيه العلمية والتأنيث، وقرأ قنبل بإسكان الهمزة على نية الوقف، وعن ابن كثير قلب همزته ألفًا ولعله سكنها أولًا بنية الوقف كقنبل ثم قلبها ألفًا والهمزة إذا سكنت يطرد قلبها من جنس حركة ما قبلها، وقيل: لعله أخرجها بين بين فلم يؤده الراوي كما وجب، والمراد بسبا هنا إما الحي أو القبيلة وإما الرجل الذي سمعت وعليه فالكلام على تقدير مضاف أي لقد كان في أولاد سبا، وجوز أن يراد به البلد وقد شاع إطلاقه عليه وحينئذ فالضمير في قوله تعالى: {فِى مَسْكَنِهِمْ} لأهلها أولها مرادًا بها الحي على سبيل الاستخدام والأمر فيه على ما تقدم ظاهر، والمسكن اسم مكان أي في محل سكناهم وهو كالدار يطلق على المأوى للجميع وإن كان قطرًا واسعًا كما تسمى الدنيا دارًا، وقال أبو حيان: ينبغي أن يحمل على المصدر أي في سكناهم لأن كل أحد له مسكن وقد أفرد في هذه القراءة وجعل المفرد بمعنى الجمع كما في قوله:وقوله: يختص بالضرورة عند سيبويه انتهى.وبما ذكرنا لا تبقى حاجة إليه كما لا يخفى، واسم ذلك المكان مأرب كمنزل وهي من بلاد اليمن بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث، وقرأ الكسائي والأعمش وعلقمة {مَسْكَنِهِمْ} بكسر الكاف على خلاف القياس كمسجد ومطلع لأن ما ضمت عين مضارعة أو فتحت قياس المفعل منه زمانًا ومكانًا ومصدرًا الفتح لا غير، وقال أبو الحسن كسر الكاف لغة فاشية وهي لغة الناس اليوم والفتح لغة الحجاز وهي اليوم قليلة، وقال الفراء: هي لغة يمانية فصيحة.وقرأ الجمهور {مساكنهم} جمعًا أي في مواضع سكناهم {ءايَةً} أي علامة دالة بملاحظة أخواتها السابقة واللاحقة على وجود الصانع المختار وأنه سبحانه قادر على ما يشاء من الأمور العجيبة مجاز للمحسن والمسيء وهي اسم كان وقوله تعالى: {جَنَّتَانِ} بدل منها على ما أشار إليه الفراء وصرح به مكي وغيره، وقال الزجاج: خبر مبتدأ محذوف أي هي جنتان ولا يشترط في البدل المطابقة أفرادًا وغيره وكذا الخبر إذا كان غير مشتق ولم يمنع المعنى من اتحاده مع المبتدا؛ ولعل وجه توحيد الآية هنا مثله في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا ابن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ءايَةً} [المؤمنون: 0 5] ولا حاجة إلى اعتبار مضاف مفرد محذوف هو البدل أو الخبر في الحقيقة أي قصة جنتين، وذهب ابن عطية بعد أن ضعف وجه البدلية ولم يذكر الجهة إلى أن {جَنَّتَانِ} مبتدأ خبره قوله تعالى: {عِينٌ يَمِينٍ وَشِمَالٍ} ولا يظهر لأنه نكرة لا مسوغ للابتداء بها إلا أن اعتقد أن ثم صفة محذوفة أي جنتان لهم أو جنتان عظيمتان وعلى تقدير ذلك يبقى الكلام متفلتًا عما قبله.وقرأ ابن أبي عبلة {جَنَّتَيْنِ} بالنصب على المدح، وقال أبو حيان: على أن آية اسم كان و {جَنَّتَيْنِ} الخبر وأيًا ما كان فالمراد بالجنتين على ما روى عن قتادة جماعتان من البساتين جماعة عن يمين بلدهم وجماعة عن شماله وإطلاق الجنة على كل جماعة لأنها بالتقارب أفرادها وتضامنها كأنها جنة واحدة كما تكون بلاد الريف العامرة وبساتينها، وقيل: أريد بستانًا كل رجل منهم عن يمين مسكنه وشماله كما قال سبحانه: {جَعَلْنَا لاِحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أعناب} [الكهف: 2 3] قيل: ولم تجمع لئلا يلزم أن لكل مسكن رجل جنة واحدة لمقابلة الجمع بالجمع، ورد بأن قوله تعالى: {عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ} يدفع ذلك لأنه بالنظر إلى كل مسكن إلا أنها لو جمعت أو هم أن لكل مسكن جنات عن يمين وجنات عن شمال وهذا لا محذور فيه إلا أن يدعي أنه مخالف للواقع ثم أنه قيل إن في فيما سبق بمعنى عند فإن المساكن محفوفة بالجنتين لا ظرف لهما، وقيل: لا حاجة إلى هذا فإن القريب من الشيء قد يجعل فيه مبالغة في شدة القرب ولكل جهة لكن أنت تعلم أنه إذا أريد بالمساكن أو المسكن ما يصلح أن يكون ظرفًا لبلدهم المحفوفة بالجنتين أو لمحمل كل منهم المحفوفة بهما لم يحتج إلى التأويل أصلًا فلا تغفل {كُلُواْ مِن رّزْقِ رَبّكُمْ واشكروا لَهُ} جملة مستأنفة بتقدير قول أي قال لهم نبيهم كلوا الخ، وفي مجمع البيان قيل: إن مساكنهم كانت ثلاثة عشر قرية في كل قرية نبي يدعوهم إلى الله عز وجل يقول كلوا من رزق ربكم الخ، وقيل: ليس هناك قول حقيقة وإنما هو قول بلسان الحال {بَلْدَةٌ طَيّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} أي هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة طيبة وربكم الذي رزقكم وطلب شكركم رب غفور فرطات من يشكره، والجملة استئناف للتصريح بموجب الشكر، ومعنى طيبة زكية مستلذة.
|